صرخـة ألـم

صرخـة ألـم

في ليلة مظلمة، وبينما كانت (سلمى) وأختها (هاجر) تغطان في نوم عميق حدث ما لم يكن في الحسبان ! حيث كان القدر المشئوم لهما بالمرصاد.

في تلك الليلة ، نهضت هاجر مذعورة وحبات العرق الشفافة تنهمر من وجهها الملائكي البريء بعد أن عاشت حلم مزعج أرق نومها وسرق منها راحة المنام التي كانت تعيشها كل ليلة . حاولت النوم ولكنها لم تستطع ... قررت أن توقظ أمها ولكنها ترددت خشية إزعاجها فهي تدرك أن الأم قد قضت يومها بين الأعمال المنزلية المرهقة وخدمتها هي وإخوانها... حاولت النوم من جديد ولكن الأرق المصحوب بشيء من الخوف كان يسيطر عليها لتفيق فجأة على صوت أختها سلمى وهي تصرخ بشدة. اعتقدت في البداية إن ذلك الحلم المزعج قد عاد إليها من جديد ولكنها تأكدت بعد برهة من التركيز فيما يدور حولها ، أن الذي يحدث ليس حلما. نهضت من السرير وقد أنتابها شيء من الألم في مفاصلها ثم توجهت بسرعة إلى غرفة أختها سلمى وحالة من الذعر تسيطر عليها لتجدها مستلقية في حضن أمها تئن وتصرخ من شدة الألم..!

هاجر وسلمى أختان لأبوين فقيرين. تكبر سلمى أختها هاجر بعامين وبضعة أشهر عندما بلغت عامها العشرين منذ عدة أيام . أصيبت سلمى بورم خبيث في القلب وهي في ريعان الشباب . فقد أكتشف الأطباء ذلك منذ ستة أشهر فقط وذلك بعد أن بدأت سلمى تشكو من البعض الآلام في الجانب الأيسر من الصدر. كان وقع الخبر عليها وعلى أهلها كالصاعقة ولكنهم سرعان ما تقبلوا الأمر ، فهو قدرها الذي لا تستطيع الهرب منه وهي مشيئة الخالق سبحانه وتعالى . ومنذ اكتشاف المرض لديها وهي تصارعه وتصارع شبح الموت ومرارة تلك الأدوية الكيماوية الذي أثرت على صحتها وأذهبت نضارة وجهها وأفقدتها الكثير من حيويتها.

كانت الأم تحاول بين الحين والأخر أن تخفف عن ابنتها بقدر ما تستطيع على الرغم من أنها كانت لا تقدر على الحركة من شدة هلعها عليها..! وعندما يزول ألم وتغط سلمى في نوم بسيط تأخذ الأم قسطا من الراحة بينما هاجر كانت تراقب الموقف وقد ذهب كل النوم عنها. وبين الفينة والأخرى يظهر الألم فجأة لتبدأ سلمى بالصراخ ، والأم المغلوبة على أمرها ليس بيدها شيء أكثر من الدموع والدعاء لها بالشفاء ... وهاجر مستمرة في توزيع النظرات الحزينة بين الأم والأخت وهي تحاول عبثا استيعاب ما يحدث . ظل الحال على ما هو عليه حتى الصباح .وعند الفجر حان موعد رحيل سلمى حيث ساء حالها وبدأت تفقد القدرة على الصراخ وتتنفس بصعوبة شديدة ... وهنا أخذت الأم تنوح بقربها عندما أدركت إنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.

سلمى بصوت متحشرج :لا تبكي يا أمي فهذا هو مصيري
الأم وهي تصرخ في وجه ابنتها هاجر:أذهبي وأخبري أباك ليحضر طبيبا.

ذهبت هاجر مسرعة وأيقظت أباها ليذهبا معا لإحضار الطبيب وقد بدأ نور الصباح ينتشر في المكان ...وعند عودتهم وجدوا باب البيت مفتوحا ومجموعة من النسوة تقف على الباب وقد خيم الهدوء والسكون على المكان . حيث توقف صراخ سلمى وعويل الأم الحزينة على ابنتها ... توجهت هاجر بخطوات مثقله إلى غرفة سلمى وهي تحاول أن تعي ما يحدث حولها لتجد الأم ملقاة على الأرض وهي لا تقوى على الحراك ولتجد سلمى وهي مسجاة على سريرها وقد غطي وجهها بقماش أبيض ... فقد تأخر الوقت ورحلت سلمى ... نعم رحلت سلمى مع بزوغ شمس النهار .